ما لن يعرفه عنها أحد...


تبتسم في أناقة، تنعكس لمعة العقد اللؤلؤي الذي تلبسه على وجهها الاسمر، سمرة أهل المغرب العربي فيزيدها بهاء، تلتقي الحضور في ثقة محفوفة بلمسة كبرياء، بينما تتمتم بالفرنسية في الأغلب، تنظر نظرة قوية آسرة، جفونها منتفخة قليل وتحيط ببؤبؤ عين كبير جدا دائما، عرفت بجمالهما واعتبر انتفاخ جفونها الدائم جزء من هذا الجمال الشرقي الأخاذ. عندما استوى عقد الحضور، ألقت كلمتها الإفتتاحية بقوة آسرة، كان التصفيق في نهاية الكلمة ليس فقط للمضمون الذي تضمنته الكلمة وإنما أيضا للإنطباع الذي خلفه حضورها في المؤتمر.

عندما دخلت مساء إلى غرفتها في الفندق سحبت تلك العصاة الصينية الطويلة التي تضم بها شعرها على شكل كحكة، ألقت بعقدها على رخامة الحمام مع خواتمها وساعتها الثمينة، إرتدت قميص نوم بسيط ولكن أنيق، توجهت لحقيبة الكمبيوتر فتحتة بينما تمسك بريموت التلفاز وتضبطه على الجزيرة لتسمع الأنباء، عندما أضائت شاشة الكمبيوتر ظهرت صورة طفلين جميلين، أخذت تعمل وتعمل، قامت أعدت كوب ينسون شربته وهي تعمل، انتهت، لم تغلق الكمبيوتر، ظلت الشاشة مضاءة، تعكس صورة الطفلين، قامت لفراشها وأغلقت التلفاز، وضعت رأسها على الوسادة، وانطلقت في بكاء عميق وهي تختلس النظرات لصورة الطفلين بين الحين والآخر، ومع البكاء تزداد عينيها إنتفاخا.

ما لن يعرفه أحد انها تزوجت من ولد عمها المهندس النابه جدا من عمل في الجامعة وحصل على الدكتوراه من كندا، ربيا معا بعد وفاة والدته وتفرغ أبوه له، وكانا معا زهرة العائلة، حتى مات عمها وانقلب حال ولد عمها، يريد الهجرة ولا يطيق عملها ولا سفرياتها المتعددة، بعد كل سفرة يختلف معها ويقلب حياتها نكدا وألما وينهال عليها بالإتهامات، ولا تستطيع فكاكا من هذا السفر ولا تستطيع ترك عملها، بل وإذا ما عرضت عليه ذلك يتهمها بالجنون لتركها عمل مثل هذا، مضت حياتهما هكذا لا يعرف أحد ما فيها من خلافات عديدة حتى عادت مرة من إحدى السفريات فلم تجده ولا ولديها في المنزل ، وصلتها ورقة الطلاق بعد ذلك بأسبوع، علمت فيما بعد أنه هاجر لكندا آخذا معه الولدين. لم تسمع عنه ولا عنهما أبدا بعدها حتى أقاربهما لا صله له بأي منهم، لم تر أولادها منذ ذلك الوقت حتى اليوم، رغم محاولاتها العديدة ومحاولات والديها الوصول إليهم، اليوم عيد ميلادهما العشرين، هما توأم ولدا في إحدى ليالي الشتاء الباردة، تركاها ولهما من العمر عشر سنوات، ما لا يعلمه أحد أنها تبكي كل ليلة حتى تنام، وأن انتفاخ عينيها الآسر سببه هذا البكاء. بعد هذا قبلت وظيفة في مكتب منظمتها بالشرق الأقصى، ولم تعد لموطنها أبدا.

ليست هناك تعليقات: