هذا العجوز الذي سيصبحه...

يدربنا بالانجليزية مع لكنة فرنسية، بنيته تغيرت عن تلك التي عرفته عليها منذ سنوات.

يتحرك بثقة ويتحدث بسهولة لمعرفته الموضوع، لقد انحنى كتفيه للامام في ثقل واضح، برزا للأمام فيما يبدو حماية لبقية الجسد، ازدادت سماكة نظارته، زحف الشيب على رأسه في تثاقل ظاهر، بينما سارع في زحفه على شاربه، يرتدي حلة كحلية وقميص لبني، حذاء أسود لامع وحقيبة مثقلة بالأوراق، يعلق على ما يقول الناس بخفة ظاهرة بكلمات من لغات عدة، العربية الفرنسية والإنجليزية، موظف دولي بمعنى الكلمة.

ولكن هل هو في الحقيقة هذا الموظف الدولي؟؟ ألا يحمل قلبه ثقل التهجير والهروب، الا تأرقه ذكري المنزل الضائع والجد والأب والأم الشهداء؟ الا تعكس شدته علي أولاده ذكري الطفولة الصعبة التي عاشها والخيارات المستحيلة التي اضطر الى اتخاذها؟؟ ألم تطبع علي جمود عينيه تلك التضحيات التي قام بها، أحيانا بالأهل والاحباب، أحيانا بالاصدقاء؟؟ نعم أكيد هو كل ذلك وزيادة ولكن لا يبدوا لأحد هذا لن يظهر هذا أبدا، ستظل هذه الأمور خفية، لا يظهر منه سوي الموظف الدولي صعب المراس، وأنا لن أناقش الأمر معه مطلقا، سيظل الزميل، الموظف الدولي الذي يدربنا بين الحين والاخر.

أما هذا العجوز الذي سيصبحه مراقبا بين الابتسامة والدموع بعينيه الحزينة أحفاده يلعبون أمامه في حديقة منزله بلبنان ويختلط عليه الأمر بينهم وبين ذكري صبية يلعبون في معسكر صبرا وشاتيلا ويختبؤن طاعة لأهلهم ليراقبوهم والخوف و الرعب يكبل أصواتهم يذبحون من قبل قوات صهيون بينما الكبير يضع كفه الصغيرة على عين أخاه الأصغر كي لا يري والدموع والصراخ تحجرا في عينيه وحنجرته.

هذا العجوز الذي تدمع عيناه لمجرد رؤية أحفاده وتقبض الذكري بيدها الثقيله على قلبه ولا يفارق المشهد عيناه المتعبتان ويهمس بلوعة "واه أماه" لن يعرفه أبدا أي من الجلوس اليوم في قاعة التدريب.

Fatimah from BlackBerry

هناك 3 تعليقات:

L.G. يقول...

هذا العجوز يسكن قلوبنا ويرتحل مع دعواتنا كل يوم .. فلا هو يغيب عنا

نعرفه والأهم الله يعرفه

فاطمة ...أم سليم يقول...

حلوة اوي الكلمة ديه ال جي...شكرا عزيزتي

L.G. يقول...

للأمانة الأدبية كلمة الله يعرفهم أخذتها عن أحد نجوم صحابة سيدنا الحبيب المصطفى المعلم رسول الله فهي لسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما أخبره الناس أنهم دفنوا بعض الشهداء في أحد المعارك ولم يعرفوا من هم فرد قائلاً ولكن الله يعرفهم
فأصبحت تلك الكلمات دستور لي أن الله يعرفهم حتى وإن غابوا عنا لأني أدعو صدقا لأناس لا أعرفهم ولكني أعلم أن الله يعرفهم أنا التي أشكرك على كتاباتك

تحياتي