الكويت
(2)
أنا في الكويت، ليست مرتي الأولى في الخليج، لقد نشأت في إحدى الدول الخليجية ونعمت للغاية بالسنوات السبع التي قضيتها بين المدرسة السورية وبين المنزل. ولكنها مرتي الأولى في الكويت.
سميت دولة الكويت بالكويت نسبة إلى الكوت، والكويت هو تصغير للفظ الكوت، والكوت عبارة عن بناء يخزن فيه الأسلحة. كانت الكويت تحت الحكم العثماني كأغلب الدول العربية وفي عام 1914م تقرر إبدال العلم التركي بعلم خاص بالكويت يحمل اللون الأحمر وفي وسطه كلمة كويت باللون الأبيض. ونالت الكويت استقلالها عام 1961، العجيب الذي عرفته قبيل ذهابي أن احتلال الإنجليز للكويت لم يكن عنوة وإنما جاء نتيجة معاهدة وقعت في يناير 1899 بين شيخ الكويت آن ذاك الشيخ مبارك الصباح وبين بريطانيا، وهدفت هذه المعاهدة إلى حماية الكويت من أخطار الدولة العثمانية !!
في الطائرة استخرجت روايتي وبدأت روحي رحلتها المفضلة بين السطور، وكانت تلك وسيلة جيدة للهروب من ملاحظات وأسئلة جاري مثل: هل الفيلم الذي أشاهده رائع؟ أو هل الرواية حلوة لهذه الدرجة؟ أو هل أنت ذاهبة إلى زوجك في الكويت؟ …الخ
في الفندق صدمتني الفخامة وما بهرتني، هل نملك ونحن من الدول النامية تلك الرفاهية؟ وان كنا نملكها فكيف نوظفها؟؟
عرفت قبيل مجيئي إن المدير العام لمنظمتي سوف يكون في حفل الافتتاح، وعلمت أيضا أن محاضرتي هي الأولى على الجدول، معنى ذلك أن لدي امتحاناً في غاية القسوة فليستر الله وليوفق. تأخر الضيوف الرسميون عن حفل الافتتاح فقد كانت لهم ارتباطات أخرى صباحية..ها هو مديري، دوما في موعده ، تقدمت وسلمت وسألت: هل سينتظر لمحاضرتي؟ …قال أي نعم... رئيس الجلسة يقدمني وأنا بين اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا.. ورب اشرح لي صدري..
هل سأنسى الكلمات؟ هل سأرتبك؟ ما نسيت وإن ضاعت كلمات واختفت أفعال... انصرف مديري فور انتهائي فلم أعرف رأيه. توحشت في الرد على أحد السائلين، إذ كان خلال إجابتي يتكلم فلم أجد نفسي إلا وأنا أقول له هل مازال السؤال مهما لديكم أم عرفتم الإجابة فأدخر جهدي ووقتي لسائل آخر؟ أحياناً يظهر هذا الوحش و يرد هكذا إذا ما لمست استصغاراً لشأن المرأة ...عليَ يوماً تجاوز هذه الحساسية.
نحن ننحدر وسنظل كذلك إلى فترة من الزمن يعلم الله مداها، لقد بدأ أحد المتحدثين إلقاء كلمته باللغة الإنجليزية وهو العربي الخليجي حتى رأيت أغلب الحضور وهم من العرب يرتدون سماعات الترجمة. لم تلفت هذه الحقيقة نظر الأخ المحاضر، ولا دفعت من لحقه إلى سلوك غير مسلكه، فانقضت الجلسة في استعراض كبير للمفردات الإنجليزية. كانت المحاضرة الأخيرة لأحد الضيوف الأربعة الأجانب فبدأ حديثه بقوله :"قال نبيكم المعدة بيت الداء" بالعربية.
تذكرت الوفد الألماني في اجتماع دولي نظمته إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة وهو يبدأ حديثه بقوله:" ألمانيا تتحدث اللغة الألمانية"، ثم تحدث بالإنجليزية لأن الألمانية ليست إحدى لغات الأمم المتحدة…لقد هنا فسهل الهوان علينا في كل أمر صغر أم كبر…هل أخبركم بالمزيد؟ في الجلسة التالية بدأ أحد المتحدثين بقوله: "آسف لقد كتبت محاضرتي بالعربية لذلك سوف ألقيها بالعربية فأرجو أن تعذروني"، فسمعنا صوت أحد الحضور وهو محاضر سابق يقول له :"ولو... تحدث بالإنجليزية"، لم أعد أحتمل، وجدتني أقول :"نعم فليتحدث بالإنجليزية ليرتدي كل الحضور العرب السماعات أيها العربي الأكاديمي في مؤتمر عربي في بلد عربي". ساد الصمت للحظات ثم قال المحاضر سأتحدث بالعربية واسترسل. خرجت من توي للقاء منظم المؤتمر الذي قال لي بعد طرح الأمر عليه:"اللغتان لغتان رسميتان للمؤتمر بناء على طلب المحاضرين، لقد أصبحنا غرباء يا سيدتي". حدثتني نفسي: "إننا نصنع غربتنا بأيدينا ولا حول ولا قوة إلا بالله".
رأيت في الكويت عكس ما قد يعتقد كثيرون، شعباً بسيطاً متواضعاً مضيافاً يساعد الغريب ويرحب به، جلس معنا على ذات الطاولة وزراء سابقون و حاليون ضحكوا وتكلموا وهو الأمر الذي قلما تراه في بلد عربي، رأيت في الكويت آثاراً بعيدة للغزو العراقي وجراحاً لم تندمل بعد... ينهون دوماً حديثهم بدعاء قصير لطيف وهو "يعطيك العافية"، كلماتنا ليست كالكلمات وحواراتنا دافئة ومليئة.
أفتقد أسرتي بشدة. حدثني أبي هاتفياً من أوروبا ليقول إنه سيمضي حوالي الشهر هناك، معنى هذا أنني لن أراه لمدة طويلة، هذه الأيام نحن طائران في اتجاهات مختلفة، ختم بقوله: "هل أنت بخير؟" قلت له: "الحمد لله ..لا ينقصني إلا رؤياك".
مرت 5 أيام بين الجلسات وورش العمل، وأخيراً كنت في لجنة التوصيات التي استغرق عملها عدداً طويلاً من الساعات دون راحة. الحمد الله الآن أنا في الطائرة، في طريقي إلى منزلي.
استقبلتني ابنة أختي بضمة قوية وهي تقول: "احكي لي حكاية..." قلت: "حاضر.. حكاية الأرنب الشجاع" ، صرخت قائلة: "لا أنا عايزة حكاية فيها أمير".
يا ربي جيل وراء جيل ومازلنا في انتظار الأمير.
هناك تعليقان (2):
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا سعدت بمعلومات جديدة مثل معنى كلمة كويت
ثانيا وجدت من يوافقني في أشياء مثل :
الكتاب رحلة
الفخامة وشعوب جائعة مكروه
هههه الأدعية هي هي عند المواقف المهمة
رد الفعل السريع عند بعض المواقف لتصحيح الاوضاع ولا اجدها حساسية بقدر أنها نهي عن منكر
عزائي وحزني على اللغة العربية القوية وعدم معرفة أهلها لقدرها
حتى التوافق مع الطفلة باحكي لي حكاية فما زلت بعد الثلاثون اطلب من اي شخص حكاية وتمنيت لو كنت سيدتي سردتي حكاية الأرنب ,, :)) والأمير الذي هرب أيضا
سيدتي لكم أعجبتني تلك التدوينة
تحياتي .. تحياتي .. تحياتي
LG a real pleasure to know that you are follwoing my Blog.
looking forward to know your openion on the remaining.
Om saliem
إرسال تعليق