لا أدري متى غابت، ولكن هذا ما حدث، غابت الدولة عن حاضرنا، عن مشاكلنا عن حمايتنا جميعا، فأشهر كل سيفة وحمى مملكته بطريقته الخاصة.
وهذا ما حدث مع إخواننا الأقباط، غابت الدولة عنهم فوجدت الكنيسة فرصتها الذهبية أو في أفضل الفروض أدت واجبها تجاه شعبها، احتضنتهم، رعتهم، وفرت لهم الملجأ والمأوي، والثقافة، والرياضة، والترفيه وكل ما كان على الدولة القيام به، وأيضا وفرت لهم الفكر، هذا الفكر المعين الذي غرس فيهم ما سمعته بأذني في الثمانينات من القرن الماضي، في إحدى معسكراتهم الصيفية، التي تجاور منزلنا الصيفي بالعجمي "هذا بلدنا نحن...المسلمون حملتهم أسنة السيوف...ودخول الحمام مش زى الخروج منه..." كلام لم أفهمه أبدا حينها، ولكن نهضت وأختي من على الكثبان الرملية التي استلقينا عليها نستمع لهذا الرجل في اللباس الأسود وركضنا إلى بيتنا الصيفي حيث أبي الذي كل كان ما قام به بعد ما سمع منا أن ارتدي ملابسه وقام بزيارة رئيس المعسكر ليشرب معه كوب شاي و ليتعرف الجيران على بعض، وكان مما قاله "هناك أيضا شيوخ يقولون مثل هذا الكلام لأطفال مثلكم...وكل ده غلط غلط...إحنا تربينا في بيت أصدقائنا فيه هم مسيحيون ومسلمون...وكذا كل مصر". في الصيف الذي يليه عدنا للمنزل المهجور في شهور الشتاء لنجد سورا كبيرا يحيط بمكان المعسكر يمنع تسللنا إليه مرة أخري.
ومن ناحية أخرى أجد العذر لكل الإخوان الأقباط في الارتماء في حضن كنيستهم، الإنسان بطبيعته يرغب في الأمان، وهذا يعني العمل، الصحة، الأسرة، أن تحتضنه مؤسسة عادة تكون الدولة فإذا غابت، ووجد هو البديل فلم لا.
ولكن أخطر ما في المسألة أن هذا الاحتضان فصلنا عن بعضنا البعض، البعض تائه يتخبط يستقى أمانه من هنا وهناك، والبعض عرف وجهته ووجد أمانه في هذه المؤسسة المنظمة القوية ذات الجدران العالية.
هذا ما حدث لهم، طيب...ما الذي حدث لنا، طبعا لم تكن هناك مؤسسة إسلامية قادرة على استيعاب 94% من السكان، فكان أن استوعبت بعضهم الجماعات الإسلامية، ربتهم رعتهم وفرت لهم ما غابت الدولة عن أدائه، وكان ما كان ونعرف جميعا ما حدث بعدها. واحتضن فريق آخر "جماعات أخري محظورة" ولا نرى أيه دلالة لهذا الاحتضان سوى العزلة الظاهرة في التصرفات والأفكار والمناوشات مع الدولة في هذه الانتخابات أو تلك.
فيا ترى إلى أين يسير إخواننا الأقباط بمعسكرهم ذي الأسوار العالية.
لماذا لا يتحدث أحد عن التقاليد ويتحدث الجميع عن الدين، طيب الآن لو تمسحت زوجة مسلمة، ماذا سيفعل أهلها الصعايدة؟؟ صراحة هذا ما فعله أهل السيدة المسيحية، ولكن الفارق أنهم لم يفعلوه بأنفسهم وإنما تدخلت هنا مؤسسة دينية في الوقت الذي تنادي فيه هذه المؤسسة وبضراوة بحرية العقيدة، وبالمساواة وبفصل الدين عن الدولة. هذا نتاج مباشر لغياب دولة وقيام أخرى، غياب الدولة الرسمية المصرية وقيام الدولة المصرية المسيحية.
ولكن لو الفرض عكسي فلن يجد الأهل المسلمون من يعاونهم، سوف يقومون بهذا بأنفسهم. بل وعندما يعرف بفعلتهم سيتم تقديمهم إلى المحاكمة وفي الأغلب الأعم سيحكم عليهم.
هذه هي المسألة، المؤسسة الدينية المسيحية خرجت عن دورها وتمارس دور الدولة، ربما ليس لها خيار في هذا، لأنه دينيا عليها أن ترعى شعبها بالمفهوم المسيحي لشعب المسيح ولشعب الكنيسة.
ولكن هل المسألة كما تبدوا لنا؟؟ أم هناك صفقات لا نعرفها بين نظام له طموحات معينة وبين كنيسة لها رؤى خاصة لحضورها ودورها، وتعتقد أن الفرصة حانت؟؟ هذا ما لا نعرفه يقينا ولكن ما تشير له كل الدلالات.
الكنيسة تعتبر نفسها دولة، فهي تهدد من المفكرين الأقباط من لا يعجبها قوله وفعلة أو حتى أفكاره، وتهدد من الرجال المسيحيين من لا يعجبها سلوكه، بل وتمنع عنه الحق الأصيل في الزواج وإنشاء أسرة لأنه كان "ولد وحش..عمل حاجات شريرة في زيجة سابقة" إذا ما هددت فأنت يقينا تملك ما تهدد به، تملك ما يمكن أن تسلبه من المهددين، تماما مثل من هو على استعداد للاستشهاد، فهو مستعد لمعركة، لا يستشهد أحد وهو في حفلة، لا سيتشهد أحد وهو قاعد على الكورنيش في وصلة حب، ولا يستشهد أحد وهو ممسك بيد أخوه في الوطن ينشدان معا النشيد الوطني لهذا الوطن. الكلام له دلالات، ومنذ زمن كان أبي وهو يربينا يقول "فكر فيما تقول، قبل قوله لأن الكلام ما وجد إلى ليعبر عما تفكر به" وكانت أمي عليها رحمة الله تقول "عد لعشرة قبل ما تتكلم"، إذا كنيستنا المصرية لديها قوة وتملك وستسلب ما أعطت أو على أقل تقدير توقف عطاء معينا لمن لا ترضى عن أفكارهم!!
لماذا غابت الدولة؟؟ لعدة أمور أهما:
1-شخصنة كل شيء، الهدف والغاية بل والإيمان ايضا، تحول من إيمان بقضايا إلى إيمان بأشخاص.
2-قيام الاختيار على السمع والنفاق والطاعة في الخطأ قبل الصواب و انضمام هؤلاء المختارين في منظومة الدولة لما يسمى بالفساد المنظم الذي لا يقع تحت طائلة القانون من يتورط فيه، وإنما يظهر في إهدار المال وإهدار الأرض وتضييع حقوق العباد.
3- لغياب المشروع الوطني وحضور المشروع الفردي العائلي ( للرئيس وأسرته ولولده من بعده) لكن أين التنمية؟؟ أين المساكن؟؟ أين النهوض بالبلد صناعيا؟؟ أين... أين... أين... نهر النيل والزراعة ما قامت عليه مصر بوجودها وكينونتها؟؟
4- الغياب التام للشفافية، لا تعرف ما يأتي ولا تعرف أين ينفق ولا ما مصيره.
5- التغييب التام للقيادات الشابة وقيام البلد على مجموعة كبيرة من الكهول لا يعرفون مما يدور حولهم في العالم إلا يعطى لهم، فلا يستطيعون بهذا البلد نهوضا ولا لمشاريعه القومية إتماما. ويتفرع عن هذا ما دأب عليه النظام من المد لمن يرضى عنه في وظيفته عاما تلو الآخر مما أدى إلى تأقيت المشاريع وعدم وجود خطة طويلة الأمد لإتمام أي شيء.
6- غياب الأمن الاجتماعي في حضور قوي للأمن السياسي مما يمنع التطور ويجعل النظام في حالة خوف دائم من تهديد قادم لا محالة.
7- تواري المؤسسة التعليمية وراء روتينيات ومصالح شخصية ترفع في كثير منها شعارات التوريث كذلك...وعجبي.
8- تواري المؤسسة الدينية الرسمية وضعفها عن توجيه الحكام بل وعن إصلاح منظومة الأخلاق التي تنهار وتزداد سوءا يوما بعد يوم.
9- العمل في مصر والعين على الغرب طلبا لرضاه مع العلم اليقين أنهم هناك لا يرغبون في نهوضنا وليس لديهم قطعا أية نية للمساهمة في إصلاح أحوالنا.
إذا ما نظرنا لبعض الأسباب التي ذكرتها آنفا نجد أنه من غير الممكن أن نشهد قريبا قياما للدولة، مما يعني أن الدويلات الصغيرة الناشئة، والتي قد تنشأ، لن تجد من يردعها عما تفعل ولن تجد من يعيد سلطاتها و أذرعتها الممتدة إلى أصولها الطبيعية.
أمام الجدران العالية سيبني المسلمون أيضا جدرانهم الخاصة وهذا ما نراه اليوم في إدعاءات البعض مما أطلق عليها الدكتور العوا "سفاهة"، والقادم لن يعلمه إلى الله.
إن التغيير الآن هو المنجى الوحيد، عقد اجتماعي جديد بين الشعب وبين دولة يختارها، بمحض إرادته، هو السبيل الوحيد للخروج بوطننا من هذا المأزق الذي يكاد أن يكون داميا.
الأزمات كلها تقودنا إلى المربع صفر "التغيير" إرساء قواعد حقيقية وشفافة لتداول السلطة.
لا يغيب عن ناظري مشهدان:
سنغافورة حيث جميع دور العبادة بجوار بعضها البعض بأسوار صغيرة جدا لا يتجاوز ارتفاعها 50 سم، وتحيطها مساحات عشبية جميلة تبعث السلام في النفوس.
مشهد رجل كبير يفتح باب البيت القديم ليصرخ مش معقول ميشيل...رجعت إمتى، والتاني يحتضنه ويبتعد بوجهه قليلا ليقول له والله وشاب شعرك يا ميمي...وأنا أشد يد أمي وأقول لها هو بيقول لأبويا ميمي ليه؟؟
هذا الرجل أحبه وأعرفه حق المعرفة وهو فارس في الحق، فارس في الأبوة فارس في حب ربه فارس في حب وطنه.
إن الله يدافع عن الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور.
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
وعلى الله قصد السبيل.
3- لغياب المشروع الوطني وحضور المشروع الفردي العائلي ( للرئيس وأسرته ولولده من بعده) لكن أين التنمية؟؟ أين المساكن؟؟ أين النهوض بالبلد صناعيا؟؟ أين... أين... أين... نهر النيل والزراعة ما قامت عليه مصر بوجودها وكينونتها؟؟
4- الغياب التام للشفافية، لا تعرف ما يأتي ولا تعرف أين ينفق ولا ما مصيره.
5- التغييب التام للقيادات الشابة وقيام البلد على مجموعة كبيرة من الكهول لا يعرفون مما يدور حولهم في العالم إلا يعطى لهم، فلا يستطيعون بهذا البلد نهوضا ولا لمشاريعه القومية إتماما. ويتفرع عن هذا ما دأب عليه النظام من المد لمن يرضى عنه في وظيفته عاما تلو الآخر مما أدى إلى تأقيت المشاريع وعدم وجود خطة طويلة الأمد لإتمام أي شيء.
6- غياب الأمن الاجتماعي في حضور قوي للأمن السياسي مما يمنع التطور ويجعل النظام في حالة خوف دائم من تهديد قادم لا محالة.
7- تواري المؤسسة التعليمية وراء روتينيات ومصالح شخصية ترفع في كثير منها شعارات التوريث كذلك...وعجبي.
8- تواري المؤسسة الدينية الرسمية وضعفها عن توجيه الحكام بل وعن إصلاح منظومة الأخلاق التي تنهار وتزداد سوءا يوما بعد يوم.
9- العمل في مصر والعين على الغرب طلبا لرضاه مع العلم اليقين أنهم هناك لا يرغبون في نهوضنا وليس لديهم قطعا أية نية للمساهمة في إصلاح أحوالنا.
إذا ما نظرنا لبعض الأسباب التي ذكرتها آنفا نجد أنه من غير الممكن أن نشهد قريبا قياما للدولة، مما يعني أن الدويلات الصغيرة الناشئة، والتي قد تنشأ، لن تجد من يردعها عما تفعل ولن تجد من يعيد سلطاتها و أذرعتها الممتدة إلى أصولها الطبيعية.
أمام الجدران العالية سيبني المسلمون أيضا جدرانهم الخاصة وهذا ما نراه اليوم في إدعاءات البعض مما أطلق عليها الدكتور العوا "سفاهة"، والقادم لن يعلمه إلى الله.
إن التغيير الآن هو المنجى الوحيد، عقد اجتماعي جديد بين الشعب وبين دولة يختارها، بمحض إرادته، هو السبيل الوحيد للخروج بوطننا من هذا المأزق الذي يكاد أن يكون داميا.
الأزمات كلها تقودنا إلى المربع صفر "التغيير" إرساء قواعد حقيقية وشفافة لتداول السلطة.
لا يغيب عن ناظري مشهدان:
سنغافورة حيث جميع دور العبادة بجوار بعضها البعض بأسوار صغيرة جدا لا يتجاوز ارتفاعها 50 سم، وتحيطها مساحات عشبية جميلة تبعث السلام في النفوس.
مشهد رجل كبير يفتح باب البيت القديم ليصرخ مش معقول ميشيل...رجعت إمتى، والتاني يحتضنه ويبتعد بوجهه قليلا ليقول له والله وشاب شعرك يا ميمي...وأنا أشد يد أمي وأقول لها هو بيقول لأبويا ميمي ليه؟؟
هذا الرجل أحبه وأعرفه حق المعرفة وهو فارس في الحق، فارس في الأبوة فارس في حب ربه فارس في حب وطنه.
إن الله يدافع عن الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور.
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
وعلى الله قصد السبيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق