ما لن يعرفه عنه أحد...

القاعة مكتظة، الحوار والنقاش على أشده، يقود النقاش رجل أربعيني، يبدوا أصغر بكثير، مفتول العضلات، يرتدي سترة تجعله اقرب ما يكون لبيكم لاعب الكرة المشهور، لطيف جدا يبتسم ويضحك مع الجميع ويعرف كيف يدير دفة الحوار لتتحول من الحدة إلى اللين إلى نتيجة ملموسة، الجميع يحبه في مكان العمل، يكاد يكون أكثر الرجال شهرة وجماهيرية بين الرجال والنساء على حد سواء، دائما يبدوا انيقا لطيفا، سواء في شراؤه لقهوة الصباح من الكافيتريا أو بينما يجلس في مكتبه مفتوح الباب مشيرا بيده في تحية بسيطة وبسمة آسرة لمن مرون بمكتبه في عجالة ملقين التحية على هذا الزميل اللطيف.


له ولدين صغيرين أقرب شبها بأبيهم، وزوجة جميلة ساحرة كما نجمات السينما، كل من يراهما يجدهما كما يقول المثل الإنجليزي match made in heaven ، أو كما نقول نحن معشر العرب "وافق شن طبقه"، فجأة وبدون مقدمات، أخذ أسرته ورحل، قال لزملائه الذين ودعوه بحزن أن والديه كبرا في السن ويجب أن يذهب ليرعاهما، لانه لا يحتمل فكرة وضعهما في دار عجزة كما يفعل كثير من الناس في بلده، الجميع تعاطفوا معه وزادهم هذا إعجابا فوق إعجابهم به أصلا.


الذي لن يعرفه أحد أن مديرته كانت معه في إجتماع والتقت عند خروجهما من أحد المصاعد معا زميلة من منظمة أخري تحضر ذات الفاعلية، كانت لها صلة خاصة بمديرته، فإذا بالزميلة تصفعه على وجهه بقوة وتقول له "أدين لنفسي بهذا منذ عام" إندهشت المديرة وهو لم ينبس ببنت شفه، وبعد إلحاح، عرفت المديرة الحقيقة من الزميلة، الرجل يتصيد المحافظات من زميلاته من لا يثرن المشاكل، ويمارس معهن أرذل عادته وأكثرها وضاعة، يقرصهن، يقرص من الخلف ما يستطيع أن تناله يده من أجسادهن في إجتماع أو مصعد أو أو...وعندما تلتفت المرأة له في استنكار وعدم تصديق وغضب يبتسم إبتسامة بريئة تشككها حتى فيما حدث، ومع الزحام ووجود كثيرين حولهما تحجم ضحاياه عن رد فعل قوي يكشفه، لكن المثير أن تلك المرأة لم تسكت، أضمرت الأمر في نفسها حتى كان هذا الموقف وثأرت منه أمام مديرته، وأعطت للمديرة المعروفة بنصرتها لقضايا المرأة قائمة من الزميلات ممن تعرضن لهذا ولم يرغبن في "الشوشرة".


ما لن يعرفه أحد أنه عند مواجهته إعترف، وقال أنه يخضع للعلاج، وآثر السلامة وترك العمل بعد صفقة مع الإدارة، لقد كان سجله حافلا ولكن الذكاء في إختيار ضحاياه كفل له الستر، ما لا يعرفه أحد ان خوفه من افتضاح أمره لم يكن إلا خوفا من زوجته، لقد كانت كل ما تبقى له، خاصة والزوجة قد ظلت معه بعد فضيحة أسرية مماثلة على شرط خضوعه للعلاج، فلم يكن ليغامر بأن تعرف السبب الحقيقي لمغادرته العمل. كل هذا لن يعرفه أحد لأن أحد شروط صفقة المغادرة كان السرية التامة، ولكن ما نعرفه جميعا أنه لا يسرب من الأنباء إلا السري جدا منها.

هناك تعليق واحد:

L.G. يقول...

كلما رأيت انسان يخطو في نعم الله قلت أي محنة أو ابتلاء هو فيه ولا ندريه

هناك دائما في حياة كل منا مالا يعرفه أحد ... إلا الله